البيت الأبيض يقيد وصول الصحافيين إلى المكتب الإعلامي لحماية مواد حساسة
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في نوفمبر 2017 عن فرض قيود جديدة على وصول المراسلين الصحافيين إلى منطقة حيوية في الجناح الغربي بالبيت الأبيض. القرار، الذي تم الإعلان عنه من قبل السكرتيرة الصحفية آنذاك، سارة هاكابي ساندرز، قضى بمنع الدخول غير المجدول إلى مكتب الصحافة العلوي، المعروف باسم "press bullpen"، مبررة ذلك بالحاجة إلى حماية معلومات ومواد حساسة قد تكون مكشوفة على مكاتب الموظفين.

تفاصيل القرار وتبريراته الرسمية
بموجب الإجراء الجديد، لم يعد بإمكان المراسلين المعتمدين لدى البيت الأبيض الدخول بحرية إلى مكتب الصحافة العلوي كما كان متبعاً لعقود. وبدلاً من ذلك، أصبح يتوجب عليهم الحصول على موعد مسبق مع أحد موظفي المكتب الإعلامي للدخول. تاريخياً، كانت هذه المنطقة بمثابة مساحة مفتوحة تسمح للصحافيين بالتفاعل بشكل غير رسمي مع الموظفين الإعلاميين، وطرح أسئلة سريعة، والحصول على توضيحات، مما يسهل تدفق المعلومات.
بررت الإدارة هذا التغيير بأنه إجراء أمني ضروري. وأوضحت ساندرز أن مكاتب الموظفين في هذه المنطقة تحتوي غالباً على وثائق ومواد حساسة، بما في ذلك معلومات تتعلق بالأمن القومي. وأشارت إلى أن ترك هذه المواد دون رقابة في مكان يمكن للصحافيين الوصول إليه بحرية يمثل مخاطرة غير مقبولة. وشددت الإدارة على أن الهدف ليس تقييد عمل الصحافة، بل ضمان أمن المعلومات داخل المقر الرئاسي.
خلفية العلاقة المتوترة مع الإعلام
لم يأتِ هذا القرار في فراغ، بل كان جزءاً من سياق أوسع لعلاقة متوترة بين إدارة ترامب ووسائل الإعلام. منذ بداية حملته الانتخابية وحتى توليه الرئاسة، وجه ترامب انتقادات متكررة للعديد من المؤسسات الإخبارية، واصفاً إياها بـ "الأخبار الكاذبة" و "أعداء الشعب". وقد شهدت تلك الفترة انخفاضاً ملحوظاً في وتيرة الإحاطات الصحفية اليومية التي كانت تقليداً راسخاً في البيت الأبيض، مما قلص من فرص مساءلة المسؤولين بشكل مباشر.
اعتبر العديد من المراقبين أن تقييد الوصول إلى المكتب الإعلامي يمثل حلقة أخرى في سلسلة محاولات الإدارة للسيطرة على الرواية الإعلامية وتقليل التدقيق الصحفي. وكان ينظر إلى هذه الخطوة على أنها تهدف إلى الحد من التفاعلات العفوية التي قد ينتج عنها تسريب معلومات غير مرغوب فيها أو طرح أسئلة محرجة خارج إطار المؤتمرات الصحفية الرسمية.
رد فعل حاد من جمعية مراسلي البيت الأبيض
قوبل القرار بمعارضة شديدة من قبل جمعية مراسلي البيت الأبيض (WHCA)، وهي الهيئة التي تمثل الصحافيين العاملين في تغطية شؤون الرئاسة. وفي بيان رسمي، أعربت الجمعية عن "احتجاجها الشديد" على هذه السياسة الجديدة، مؤكدة أنها تمثل تقييداً للوصول وتعيق قدرة الصحافيين على أداء عملهم بفعالية لخدمة المصلحة العامة.
جادلت الجمعية بأن التبرير الأمني الذي قدمته الإدارة غير مقنع، حيث لم تسجل أي حوادث سابقة قام فيها مراسلون بإساءة استخدام هذا الوصول أو تعريض معلومات حساسة للخطر. وأكدت أن الصحافيين المعتمدين يخضعون بالفعل لتحريات أمنية صارمة، وأنهم يدركون أهمية الحفاظ على سرية أي مواد قد يطلعون عليها عن غير قصد. واعتبرت الجمعية أن هذا الإجراء يضر بالشفافية ويعزل صناع القرار عن المساءلة الإعلامية.
الأهمية والتأثير على الشفافية
تكمن أهمية الوصول الحر إلى مكتب الصحافة العلوي في كونه قناة حيوية للمعلومات غير الرسمية. فهو يتيح للصحافيين بناء علاقات مهنية مع موظفي الإعلام، والتحقق من صحة المعلومات، وفهم سياق القرارات السياسية بشكل أعمق. هذا النوع من التفاعل المباشر غالباً ما يكون أكثر فائدة من البيانات الرسمية المعدة بعناية.
إن تقييد هذا الوصول يجبر المراسلين على الاعتماد بشكل أكبر على القنوات الرسمية، مثل الإحاطات الصحفية والبيانات المكتوبة، والتي تكون خاضعة لرقابة شديدة. يرى النقاد أن هذا التحول يقلل من قدرة الصحافة على كشف الحقائق وتقديم صورة كاملة ودقيقة عن عمل الإدارة، مما يؤثر سلباً على مبدأ الشفافية الذي يعد ركيزة أساسية في الأنظمة الديمقراطية. وفي المحصلة، عكس هذا القرار التوتر العميق بين السعي للحفاظ على الأمن القومي من وجهة نظر الإدارة، والحق في الوصول إلى المعلومة والدور الرقابي للصحافة من وجهة نظر المؤسسات الإعلامية.





