البيت الأبيض يصدر منشوراً ساخراً حول اتفاق شرم الشيخ، يجمع 'ذقن بايدن' و'إنجاز ترامب'
في أواخر ديسمبر 2023 وبداية يناير 2024، لفتت صفحة البيت الأبيض الرسمية باللغة العربية على منصة X (تويتر سابقاً) الأنظار بمنشور غير تقليدي اتسم بالسخرية، أثار تساؤلات وتكهنات واسعة في الأوساط الإعلامية والدبلوماسية. جاء هذا المنشور في سياق جهود دبلوماسية مكثفة بقيادة مصرية تهدف إلى التوصل لاتفاق تهدئة في غزة، يُعرف إعلامياً بـ «اتفاق شرم الشيخ». المنشور الفريد من نوعه أشار إلى «ذقن بايدن» من خلال صورة قديمة للرئيس الأمريكي، وربطه بطريقة ما بـ«إنجاز ترامب» السابق، في إشارة ضمنية إلى مقارنات محتملة بين الإدارات الأمريكية المختلفة وتحديات عملية السلام في الشرق الأوسط.

خلفية المنشور الساخر
تضمن المنشور صورة قديمة للرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وهو شاب بلحية، مصحوبة بتعليق خفيف الظل، تم تفسيره على نطاق واسع كنوع من الفكاهة الدبلوماسية أو محاولة للوصول إلى الجمهور العربي بطريقة غير رسمية. على الرغم من أن النص المصاحب لم يكن مباشراً في سياقه السياسي، إلا أن توقيته ومصدره – حساب البيت الأبيض الرسمي – جعلاه محل تحليل وتدقيق. البعض اعتبره محاولة لإضفاء لمسة إنسانية على صورة البيت الأبيض، بينما رأى آخرون فيه رسالة مشفرة تحمل دلالات سياسية أعمق.
الربط بـ «إنجاز ترامب» كان جزءاً أساسياً من التحليلات الإعلامية للمنشور. يُفهم «إنجاز ترامب» في هذا السياق على أنه إشارة إلى اتفاقيات أبراهام التي تم التوصل إليها في عام 2020، والتي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية. السياق العام للمنشور، وتزامنه مع مفاوضات حساسة، دفع المحللين إلى التكهن بأن البيت الأبيض ربما كان يهدف إلى الإشارة إلى الاختلافات في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط بين الإدارتين، أو ربما للتأكيد على صعوبة تحقيق إنجازات مماثلة في ظل الظروف الحالية المعقدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خاصة في غزة.
سياق اتفاق شرم الشيخ
يمثل «اتفاق شرم الشيخ» مصطلحاً يشير إلى الجهود المصرية الدبلوماسية الحثيثة، والتي بدأت تتكثف في أواخر عام 2023 واستمرت في أوائل عام 2024، للوساطة بين إسرائيل وحركة حماس بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى والمحتجزين، بالإضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية. تلعب مدينة شرم الشيخ المصرية دوراً محورياً في استضافة هذه المفاوضات غير المباشرة، والتي شهدت مشاركة وفود من الأطراف المعنية، بدعم وتسهيل من الولايات المتحدة وقطر. الأهداف الرئيسية لهذه المفاوضات تشمل:
- وقف إطلاق نار دائم أو طويل الأمد: لإنهاء العمليات العسكرية في غزة.
- تبادل الأسرى والمحتجزين: الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين مقابل سجناء فلسطينيين.
- زيادة تدفق المساعدات الإنسانية: تخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
- المناقشة حول مستقبل غزة: بحث خطط إعادة الإعمار والإدارة ما بعد الصراع.
هذه المفاوضات تتسم بالتعقيد الشديد في ظل الخلافات العميقة بين الأطراف، وتصاعد التوترات الإقليمية. الدور المصري يعتبر حاسماً نظراً لعلاقاتها التاريخية والجغرافية مع الأطراف المتصارعة، وقدرتها على التواصل مع جميع الأطراف المعنية.
الدلالات والتأثيرات
أثار المنشور الساخر من البيت الأبيض ردود فعل متباينة. ففي حين رآه البعض مجرد محاولة لإضفاء روح الدعابة على حساب رسمي، اعتبره آخرون استراتيجية دبلوماسية غير تقليدية تهدف إلى إيصال رسائل معينة. استخدام صورة بايدن بلحية، التي تعود إلى عقود مضت، قد يكون رمزاً للتغيرات الزمنية والتحديات المستمرة التي تواجه صانعي القرار في الشرق الأوسط. ربما كان البيت الأبيض يهدف إلى الإشارة إلى أن قضايا المنطقة متجذرة تاريخياً وتتطلب نهجاً جديداً ومختلفاً عن السالف، مقارنة بما تم إنجازه في عهد إدارة ترامب.
المنشور سلط الضوء أيضاً على الدور المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي كأدوات دبلوماسية. أصبحت المنصات الرقمية ساحة لنشر الرسائل السياسية، ليس فقط في صيغها الرسمية، بل أيضاً من خلال محتوى جذاب أو غير تقليدي يمكن أن يصل إلى شرائح أوسع من الجمهور. هذا يعكس تحولاً في كيفية تواصل الحكومات مع العالم، محاولةً بناء روابط أقوى أو معالجة قضايا حساسة بطرق قد تكون أقل رسمية ولكنها أكثر فعالية في جذب الانتباه.
علاوة على ذلك، أشار بعض المحللين إلى أن المنشور قد يكون محاولة غير مباشرة لإدارة التوقعات فيما يتعلق بـ «اتفاق شرم الشيخ». ففي ظل تعثر المفاوضات وتعقيداتها، قد يكون البيت الأبيض يرسل إشارة إلى أن الحلول ليست بالسهولة التي تبدو عليها، وأن أي إنجاز في هذا السياق سيكون تحدياً كبيراً، ربما أكبر من «إنجازات» سابقة.
في الختام، يُظهر المنشور الساخر للبيت الأبيض حول اتفاق شرم الشيخ وربطه بـ«ذقن بايدن» و«إنجاز ترامب» كيف يمكن للدبلوماسية في العصر الرقمي أن تتخذ أشكالاً غير متوقعة. هذه الرسالة، التي تبدو خفيفة الظل في ظاهرها، تحمل في طياتها طبقات متعددة من المعاني السياسية والدبلوماسية، مما يؤكد على تعقيدات المشهد السياسي في الشرق الأوسط والتحديات المستمرة التي تواجه الإدارة الأمريكية في مساعيها لتحقيق الاستقرار والسلام الإقليمي.





