الجيش السوداني يعزز دفاعاته في غرب كردفان بإنزال جوي تزامناً مع مساعي الهدنة
في تطور ميداني لافت، نجح الجيش السوداني في تنفيذ عملية إنزال جوي استراتيجية لدعم قواته المحاصرة في ولاية غرب كردفان، وذلك في وقت تتواصل فيه الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية للتوصل إلى هدنة إنسانية بين الجيش وقوات الدعم السريع. ويعكس هذا التزامن بين التصعيد العسكري والمساعي السياسية تعقيدات الصراع المستمر منذ أبريل 2023، والذي خلف أزمة إنسانية كارثية في البلاد.

التطورات الميدانية في بابنوسة
تركزت العملية العسكرية الأخيرة على مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، حيث تتمركز قيادة الفرقة 22 مشاة التابعة للجيش السوداني. وكانت هذه الفرقة تخضع لحصار مطبق تفرضه قوات الدعم السريع منذ عدة أشهر في محاولة للسيطرة على المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية. وأفادت مصادر عسكرية أن عملية الإنزال الجوي، التي تمت في الأيام الأخيرة، نجحت في إيصال إمدادات حيوية شملت ذخائر ومواد طبية وغذائية، مما ساهم في تعزيز القدرات الدفاعية للقوات المحاصرة ورفع معنوياتها.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية لمدينة بابنوسة في كونها ملتقى طرق رئيسي وشبكة سكك حديدية تربط بين مناطق كردفان ودارفور، بالإضافة إلى قربها من بعض حقول النفط الحيوية. وتمثل السيطرة عليها هدفاً رئيسياً لقوات الدعم السريع لتأمين خطوط إمدادها وتوسيع نفوذها في غرب البلاد، بينما يعد صمود الجيش فيها ضربة لخطط الدعم السريع ويظهر قدرة القوات المسلحة على دعم حامياتها المعزولة.
مساعي الهدنة المتعثرة
بالتوازي مع العمليات العسكرية، لم تتوقف المبادرات الدبلوماسية الرامية إلى وقف القتال. وتتركز النقاشات الحالية حول مقترح لهدنة إنسانية، خاصة مع المناسبات الدينية مثل شهر رمضان وعيد الفطر، بهدف السماح بإيصال المساعدات للمدنيين المتضررين. تقود هذه الجهود أطراف دولية وإقليمية متعددة، بما في ذلك الوسطاء في منبر جدة المتمثل في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) ومصر.
ورغم الضغوط الدولية، لا تزال الخلافات العميقة تعرقل التوصل إلى اتفاق. يشترط الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، انسحاب قوات الدعم السريع من المدن والمناطق السكنية التي سيطرت عليها كشرط أساسي لأي وقف لإطلاق النار. في المقابل، ترفض قوات الدعم السريع، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، هذه الشروط وتطالب بحل سياسي شامل يضمن لها دوراً في مستقبل الترتيبات العسكرية والسياسية في البلاد، مما يجعل المواقف متباعدة ويصعّب من مهمة الوسطاء.
السياق العام والأزمة الإنسانية
اندلع الصراع الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، بعد أسابيع من التوتر المتصاعد بين القائدين العسكريين حول خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش. سرعان ما تحول الصراع إلى حرب شاملة امتدت من العاصمة الخرطوم إلى مناطق واسعة في دارفور وكردفان. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، أدت الحرب إلى نزوح أكثر من 8 ملايين شخص داخلياً وخارجياً، وتسببت في انهيار شبه كامل للقطاع الصحي، ودفعت الملايين إلى حافة المجاعة في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم اليوم.
الأهمية والتداعيات
تُظهر عملية الإنزال الجي في بابنوسة استمرار قدرة الجيش السوداني على تنفيذ عمليات لوجستية معقدة وتحدي محاولات الدعم السريع لعزل قواته. وفي الوقت نفسه، تكشف هذه الخطوة عن استراتيجية كلا الطرفين في تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض لتعزيز مواقفهما في أي مفاوضات مستقبلية. إن استمرار القتال بالتزامن مع محادثات السلام يشير إلى أن الصراع قد يطول أمده، مع استمرار تفاقم المعاناة الإنسانية للمدنيين الذين يدفعون الثمن الأكبر لهذه الحرب المدمرة.





