عبد الفتاح البرهان: مسيرة قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة
يعد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان شخصية محورية في المشهد السياسي والعسكري في السودان، حيث يشغل منصبين هما الأكثر نفوذاً في البلاد: القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس مجلس السيادة الانتقالي. برز اسمه على الساحة الدولية بشكل كبير بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، ومنذ ذلك الحين، ارتبط مساره السياسي بتحولات دراماتيكية، بدءاً من قيادة المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الصراع المدمر الحالي.

الخلفية العسكرية والصعود التدريجي
قبل وصوله إلى قمة السلطة، بنى البرهان مسيرة مهنية طويلة داخل المؤسسة العسكرية السودانية. تخرج من الكلية الحربية السودانية وخدم في وحدات مختلفة من الجيش، بما في ذلك القوات البرية وسلاح المشاة. شارك في عمليات عسكرية مختلفة، من بينها الحرب في جنوب السودان قبل انفصاله، كما تولى قيادة القوات البرية السودانية المشاركة ضمن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. شغل أيضاً منصب المفتش العام للقوات المسلحة، وهو منصب رفيع أتاح له الإشراف على كافة أفرع الجيش، مما منحه خبرة واسعة وفهماً عميقاً لتركيبة المؤسسة العسكرية وتعقيداتها.
دوره بعد ثورة ديسمبر 2019
كانت اللحظة الفارقة في مسيرة البرهان هي الإطاحة بنظام عمر البشير بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية الحاشدة. في البداية، تولى وزير الدفاع آنذاك، الفريق أول عوض بن عوف، رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، لكنه واجه رفضاً شعبياً واسعاً لكونه أحد رموز النظام السابق، مما دفعه إلى الاستقالة بعد يوم واحد فقط. في 12 أبريل 2019، تم اختيار البرهان ليخلفه رئيساً للمجلس العسكري، وهي خطوة قوبلت بقبول نسبي من قوى الثورة في ذلك الوقت نظراً لكونه لم يكن معروفاً بتورطه في قضايا القمع السياسي.
قاد البرهان مفاوضات معقدة مع قوى إعلان الحرية والتغيير، الممثل الرئيسي للحراك المدني، أفضت إلى توقيع وثيقة دستورية في أغسطس 2019. نصت الوثيقة على تشكيل حكومة انتقالية مشتركة بين العسكريين والمدنيين، وتأسيس مجلس السيادة برئاسة دورية، يتولاها البرهان في المرحلة الأولى، لإدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية تمتد لـ 39 شهراً وتنتهي بإجراء انتخابات حرة.
انقلاب 2021 وتداعياته
شهدت العلاقة بين المكونين العسكري والمدني توتراً متصاعداً خلال الفترة الانتقالية. وفي 25 أكتوبر 2021، قاد البرهان انقلاباً عسكرياً أطاح بالحكومة المدنية التي كان يرأسها عبد الله حمدوك، وأعلن حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء. برر البرهان هذه الخطوة بأنها كانت ضرورية "لتصحيح مسار الثورة" وتجنب انزلاق البلاد نحو حرب أهلية، لكن الخطوة قوبلت بإدانات دولية واسعة واحتجاجات شعبية متواصلة تطالب بعودة الحكم المدني الكامل.
الصراع مع قوات الدعم السريع
وصلت التوترات داخل المؤسسة العسكرية نفسها إلى ذروتها في 15 أبريل 2023، عندما اندلع قتال عنيف في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى بين الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي". اندلع الصراع بسبب خلافات عميقة حول خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وجدولها الزمني، وهيكل القيادة الموحد. تحول هذا الصراع إلى حرب شاملة تسببت في أزمة إنسانية كارثية، مع سقوط آلاف القتلى والجرحى ونزوح الملايين من السكان، وتدمير البنية التحتية الحيوية في البلاد. ومنذ ذلك الحين، يقود البرهان عمليات الجيش من مقره في مدينة بورتسودان الساحلية، التي أصبحت العاصمة الإدارية المؤقتة، بينما تستمر المواجهات العسكرية دون أفق واضح للحل.





