الموظفون الفيدراليون ضحايا أزمة الإغلاق الحكومي في أمريكا
مع كل عام مالي جديد في الولايات المتحدة، يواجه ملايين الموظفين الفيدراليين وعائلاتهم حالة من القلق والترقب، خشية تكرار سيناريو الإغلاق الحكومي الذي أصبح أداة ضغط سياسية شائعة في واشنطن. هذا الوضع لا يعرض الأمن المالي للموظفين للخطر فحسب، بل يشل أيضًا قطاعات واسعة من الخدمات العامة التي يعتمد عليها المواطنون، مما يحول الموظفين العموميين إلى ضحايا مباشرين للصراعات الحزبية في الكونغرس.

ما هو الإغلاق الحكومي؟
يحدث الإغلاق الحكومي الفيدرالي عندما يفشل الكونغرس الأمريكي في إقرار مشاريع قوانين الإنفاق الضرورية لتمويل عمليات الحكومة قبل بداية العام المالي في الأول من أكتوبر. بموجب القانون، وبدون تمويل معتمد، يجب على الوكالات الفيدرالية أن توقف جميع وظائفها التي تعتبر "غير ضرورية"، مما يؤدي إلى إرسال مئات الآلاف من الموظفين إلى إجازة إجبارية غير مدفوعة الأجر تُعرف باسم "furlough". في المقابل، يُجبر الموظفون الذين تُعتبر خدماتهم "ضرورية" - مثل عناصر الأمن القومي ومراقبي الحركة الجوية وحرس الحدود - على مواصلة عملهم دون الحصول على رواتبهم في موعدها، على أمل أن يتم تعويضهم بأثر رجعي بعد انتهاء الأزمة.
التأثير المباشر على الموظفين
بالنسبة للموظفين الفيدراليين، فإن الإغلاق ليس مجرد خبر سياسي، بل هو أزمة مالية وشخصية حقيقية. انقطاع الراتب بشكل مفاجئ يجبر العديد من الأسر على اتخاذ قرارات صعبة، مثل السحب من مدخرات التقاعد، أو تراكم ديون بطاقات الائتمان، أو مواجهة صعوبة في دفع أقساط الرهن العقاري والإيجار. وقد أظهرت الإغلاقات السابقة، مثل الإغلاق الذي استمر 35 يومًا في أواخر 2018 وأوائل 2019، أن العديد من الموظفين اضطروا للجوء إلى بنوك الطعام أو البحث عن وظائف مؤقتة لتغطية نفقاتهم الأساسية.
يمتد التأثير إلى ما هو أبعد من الجانب المالي، حيث يخلق حالة من الإحباط وتآكل الروح المعنوية. يشعر الكثير من الموظفين بأنهم بيادق في لعبة سياسية لا علاقة لهم بها، مما يؤثر سلبًا على رغبتهم في الاستمرار في الخدمة العامة ويجعل من الصعب على الحكومة جذب المواهب الجديدة والاحتفاظ بالكوادر الخبيرة.
الخلفية السياسية للصراع المتكرر
أصبحت تهديدات الإغلاق الحكومي أكثر تواترًا بسبب الاستقطاب السياسي الحاد في واشنطن. غالبًا ما تستخدم الأقلية المحافظة في مجلس النواب، على وجه الخصوص، الموعد النهائي لتمرير الميزانية كورقة ضغط لانتزاع تنازلات سياسية أو تخفيضات كبيرة في الإنفاق الحكومي لا يمكنهم تحقيقها عبر المسار التشريعي العادي. تركز الخلافات عادةً على قضايا مثل حجم الميزانية الإجمالي، وتمويل برامج محددة، أو سياسات الهجرة وأمن الحدود. وقد شهدت مفاوضات الميزانية في أواخر عام 2023 توترات شديدة كادت أن تؤدي إلى إغلاق جديد، قبل التوصل إلى اتفاق مؤقت في اللحظات الأخيرة، مما يؤجل الأزمة بدلاً من حلها بشكل جذري.
التداعيات الاقتصادية الأوسع
لا يقتصر ضرر الإغلاق الحكومي على الموظفين الفيدراليين، بل يمتد ليؤثر على الاقتصاد الأمريكي بأكمله. من أبرز هذه التداعيات:
- المتعاقدون الحكوميون: تتوقف عقود آلاف الشركات الخاصة التي تقدم خدمات للحكومة، مما يعرض موظفيها أيضًا لخطر فقدان وظائفهم أو رواتبهم.
- الخدمات العامة: يتأثر المواطنون بتعطل الخدمات، مثل إغلاق المتنزهات والمتاحف الوطنية، وتأخير معالجة طلبات جوازات السفر والمساعدات الاجتماعية، وتباطؤ عمل إدارات الضرائب.
- الاقتصاد المحلي: تتضرر الاقتصادات المحلية في المناطق التي تضم عددًا كبيرًا من الموظفين الفيدراليين، حيث ينخفض إنفاقهم بشكل حاد.
- النمو الاقتصادي: تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أن الإغلاقات الحكومية تكلف الاقتصاد مليارات الدولارات من الناتج المحلي المفقود، مما يضر بالثقة في الأسواق ويقلل من النشاط الاقتصادي العام.
في نهاية المطاف، وبينما تستمر المناورات السياسية في واشنطن، يبقى الموظفون الحكوميون والمواطنون هم من يدفعون الثمن الحقيقي لعدم قدرة القادة السياسيين على التوصل إلى حلول توافقية لإبقاء الحكومة عاملة ومنتجة.





