بوتين يوعز بدراسة مقترحات لاستئناف التجارب النووية رداً على تصريحات ترامب
أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعليمات لمسؤوليه البارزين بإعداد مقترحات تفصيلية تتعلق باحتمالية استئناف التجارب النووية للبلاد. جاء هذا التوجيه الصادر في أواخر مايو 2020، كاستجابة مباشرة للتقارير التي أشارت إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، كانت تناقش بجدية إجراء تجارب نووية أمريكية لأول مرة منذ عقود. تعكس هذه التطورات توتراً متصاعداً في العلاقات بين القوتين النوويتين الرئيسيتين، وتثير مخاوف واسعة بشأن مستقبل اتفاقيات الحد من التسلح والاستقرار النووي العالمي.

خلفية وتاريخ التجارب النووية
تتمتع التجارب النووية بتاريخ طويل ومعقد، حيث بدأت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (روسيا حالياً) في إجراء تجارب واسعة النطاق خلال الحرب الباردة، مما أدى إلى تطوير ترسانات ضخمة من الأسلحة النووية. ومع ذلك، منذ التسعينيات، التزمت القوى النووية الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، بوقف غير رسمي للتجارب النووية التفجيرية. أجرت الولايات المتحدة آخر تجربة نووية تفجيرية لها في عام 1992، بينما أجرى الاتحاد السوفيتي آخر تجربة في عام 1990. هذا الالتزام غير الرسمي أرسى أساساً لمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT)، التي تم التوقيع عليها في عام 1996. تحظر المعاهدة جميع التفجيرات النووية، بغض النظر عن قوتها، وتعتبر حجر الزاوية في جهود منع انتشار الأسلحة النووية.
على الرغم من أهمية المعاهدة، فإنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد، بسبب عدم تصديق ثماني دول أساسية عليها، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين. استمرت روسيا في دعم المعاهدة وتصديقها عليها، بينما ظلت الولايات المتحدة تمتنع عن التصديق، رغم التزامها بالوقف الاختياري للتجارب النووية التفجيرية.
السياق الأمريكي وتصريحات ترامب
الشرارة التي أطلقت الرد الروسي كانت تقارير إعلامية صدرت في منتصف مايو 2020، كشفت أن كبار المسؤولين في إدارة ترامب ناقشوا إمكانية استئناف التجارب النووية التفجيرية. أشارت التقارير إلى أن الدوافع وراء هذه المناقشات كانت متعددة. أولاً، كان هناك قلق متزايد بشأن تطوير روسيا والصين لما يُعتقد أنها أسلحة نووية تكتيكية "منخفضة القوة" أو "أصغر حجماً"، والتي قد يكون لها عتبة استخدام أقل. ثانياً، رأت بعض الأصوات داخل الإدارة أن إجراء تجربة نووية يمكن أن يمثل أداة ضغط قوية على موسكو وبكين في مفاوضات الحد من التسلح المستقبلية، خاصة في سياق انتهاء صلاحية معاهدة "نيو ستارت" في أوائل عام 2021، والتي كانت آنذاك آخر اتفاقية رئيسية للحد من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا. اعتقد مؤيدو الفكرة أن استئناف التجارب النووية قد يعزز موقف الولايات المتحدة التفاوضي ويظهر قدرتها على الرد بقوة على أي تهديدات.
تزامنت هذه المناقشات مع سياسة خارجية لإدارة ترامب اتسمت بالانسحاب من اتفاقيات الحد من التسلح، مثل معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (INF) في عام 2019، مما زاد من حالة عدم اليقين بشأن استقرار نظام الحد من التسلح العالمي.
الرد الروسي ودوافعه
تلقى الكرملين التقارير عن المناقشات الأمريكية بقلق بالغ، واعتبرها استفزازاً محتملاً وتحدياً للمبادئ الراسخة في عدم الانتشار. أوامر بوتين في أواخر مايو 2020 لم تكن مجرد تهديد فارغ، بل كانت خطوة محسوبة تهدف إلى إرسال رسالة واضحة لواشنطن. تتمثل الأهداف الرئيسية لهذا التوجيه فيما يلي:
- الردع والندية: إظهار أن روسيا مستعدة ومقتدرة على الرد بالمثل على أي خطوات أمريكية أحادية الجانب قد تهدد أمنها أو تقوض التوازن الاستراتيجي.
- تعزيز الموقف التفاوضي: استخدام التهديد باستئناف التجارب كرافعة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية حول الحد من التسلح، خاصة مع اقتراب موعد انتهاء معاهدة "نيو ستارت".
- الإشارة إلى الجاهزية: التأكيد على أن الترسانة النووية الروسية تخضع للصيانة والتطوير، وأن روسيا تحتفظ بخيار استئناف التجارب إذا رأت ذلك ضرورياً لأمنها القومي.
- التضامن مع الدول الملتزمة بعدم الانتشار: إرسال رسالة إلى المجتمع الدولي بأن روسيا ليست هي الطرف الذي يسعى لتقويض نظام عدم الانتشار، بل هي ترد على مبادرة محتملة من واشنطن.
صرح مسؤولون روس في ذلك الوقت أن بلادهم لن تستأنف التجارب النووية إلا إذا كانت الولايات المتحدة هي البادئة بذلك، مؤكدين على التزام روسيا بالوقف الاختياري. ومع ذلك، فإن مجرد إصدار الأوامر بدراسة المقترحات يشير إلى تحول محتمل في السياسة إذا تغيرت الظروف.
الآثار المحتملة على الاستقرار العالمي
إن استئناف التجارب النووية من قبل أي من القوتين العظميين سيشكل تصعيداً خطيراً وغير مسبوق منذ عقود. ستكون الآثار المحتملة مدمرة على عدة مستويات:
- تقويض نظام عدم الانتشار: سيشجع استئناف التجارب دولاً أخرى لديها طموحات نووية على إجراء تجاربها الخاصة، مما قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي عالمي محفوف بالمخاطر.
- زيادة التوترات الجيوسياسية: سيزيد من التوتر بين القوى العظمى ويقلل من فرص التعاون في قضايا الأمن الدولي الأخرى.
- التأثير البيئي: على الرغم من التطورات التكنولوجية، لا تزال التجارب النووية، خاصة تحت الأرض، تثير مخاوف بيئية وصحية على المدى الطويل.
- انهيار اتفاقيات الحد من التسلح: قد يؤدي إلى انهيار ما تبقى من إطار عمل للحد من الأسلحة النووية، مما يترك العالم دون آليات فعالة للتحكم في الترسانات النووية.
على الرغم من المخاوف، لم تستأنف أي من الدولتين التجارب النووية التفجيرية حتى الآن. استمرت المناقشات الدبلوماسية حول معاهدة "نيو ستارت"، والتي تم تمديدها لاحقاً في أوائل 2021 من قبل إدارة بايدن، مما خفف بعضاً من الضغط في هذا الجانب. ومع ذلك، فإن مجرد التفكير في استئناف التجارب النووية يسلط الضوء على الهشاشة المستمرة للاستقرار النووي والتحديات المستمرة في إدارة العلاقات بين القوى النووية الكبرى.





