كازاخستان تنضم لاتفاقيات إبراهيم: 33 عاماً من العلاقات مع إسرائيل ومستقبل الشراكة الإقليمية
في الآونة الأخيرة، أعلنت كازاخستان عزمها الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم، مما يشكل تطوراً مهماً في سياستها الخارجية ويفتح فصلاً جديداً في علاقاتها الراسخة مع إسرائيل. يأتي هذا القرار بعد أكثر من 33 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مما يسلط الضوء على الرؤية الاستراتيجية لأستانا لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية وسط المشهد الجيوسياسي المتغير.

خلفية تاريخية: اتفاقيات إبراهيم
تُعد اتفاقيات إبراهيم، التي توسطت فيها الولايات المتحدة في عام 2020، سلسلة من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان، والمغرب. هدفت هذه الاتفاقيات إلى تعزيز السلام والاستقرار والتعاون الاقتصادي، وإعادة تشكيل التحالفات التقليدية في الشرق الأوسط. من شأن انضمام كازاخستان المحتمل أن يوسع النطاق الجغرافي والثقافي لهذه الاتفاقيات، ويمتد تأثيرها إلى آسيا الوسطى، لتضم دولة ذات غالبية مسلمة غير عربية إلى هذا الإطار.
ثلاثة عقود من العلاقات الثنائية (1992-الحاضر)
تأسست العلاقات بين كازاخستان وإسرائيل بعد وقت قصير من استقلال كازاخستان عن الاتحاد السوفيتي. ففي 10 أبريل 1992، أقامت الدولتان رسمياً علاقات دبلوماسية، لتبدأ بذلك رحلة من التعاون الثنائي عبر مختلف القطاعات. على مدى العقود الثلاثة الماضية، اتسمت هذه العلاقة بالانخراط العملي، مدفوعة بالمصالح المشتركة في التنمية الاقتصادية والتبادل التكنولوجي والأمن الإقليمي.
شملت المعالم الرئيسية ومجالات التعاون ما يلي:
- التعاون الاقتصادي والتجاري: شهدت العلاقات نمواً مطرداً في مجالات التجارة، حيث استوردت إسرائيل النفط والغاز من كازاخستان، بينما قدمت الشركات الإسرائيلية خبراتها في قطاعات مثل الزراعة، وإدارة المياه، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا المتقدمة. كان هناك اهتمام خاص بالتقنيات الإسرائيلية لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والمائي في كازاخستان.
- التبادل التكنولوجي والابتكار: استفادت كازاخستان من التكنولوجيا الإسرائيلية في تحسين كفاءة أنظمتها الزراعية، وتطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، وتعزيز قدراتها في مجالات مثل الأمن السيبراني.
- الزيارات رفيعة المستوى: تعزيزاً للعلاقات، تبادل قادة البلدين زيارات رسمية. من أبرزها زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أستانا عام 2016، والتي أكدت على الرغبة المتبادلة في تعميق الشراكات. كما قام الرئيس الكازاخستاني السابق نور سلطان نزارباييف بزيارات لإسرائيل في أوقات سابقة.
- التعاون الأمني والدفاعي: شملت المباحثات الثنائية قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب، مما يعكس تقارباً في الرؤى حول ضرورة مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
دوافع كازاخستان للانضمام
يتسم قرار كازاخستان بالانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم بتعدد الأوجه، ويعكس أهداف سياستها الخارجية الأوسع. من بين الدوافع الرئيسية:
- التنويع الاقتصادي: تسعى كازاخستان إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على الموارد الطبيعية، وتجد في إسرائيل شريكاً قوياً يمكنه توفير الخبرة والتكنولوجيا في القطاعات غير النفطية.
- تعزيز المكانة الجيوسياسية: يعزز هذا الانضمام مكانة كازاخستان كلاعب إقليمي ودولي، ويوفر لها قنوات إضافية للتواصل مع الولايات المتحدة والدول الخليجية المشاركة في الاتفاقيات أو الداعمة لها.
- جذب الاستثمارات: تفتح الاتفاقيات آفاقاً جديدة للاستثمار والتعاون التجاري، لا سيما في مجالات التقنيات العالية والابتكار التي تشتهر بها إسرائيل.
- تحقيق الاستقرار الإقليمي: تتماشى هذه الخطوة مع سياسة كازاخستان الخارجية متعددة الاتجاهات التي تركز على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والدولي وتعزيز الدبلوماسية كوسيلة لحل النزاعات.
الآثار والتوقعات المستقبلية
بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن يُحدث احتضان كازاخستان لاتفاقيات إبراهيم آثاراً كبيرة لكلتا الدولتين والمنطقة الأوسع. فبالنسبة لكازاخستان، يعد هذا التوجه بزيادة سريعة في نقل التكنولوجيا، وتعزيز الشراكات الاقتصادية، وتواجد دبلوماسي عالمي أقوى. أما بالنسبة لإسرائيل، فإنه يمثل توسعاً إضافياً لجهود التطبيع في منطقة ذات أهمية استراتيجية، ويوفر أسواقاً جديدة ويعمق شبكة حلفائها الدوليين. وبينما قد تنشأ حساسيات محتملة، لا سيما بالنظر إلى السياق الجيوسياسي الأوسع، فإن هذه الخطوة تؤكد على النهج العملي لأستانا لتأمين مصالحها الوطنية والمساهمة في نظام دولي أكثر ترابطاً وتعاوناً. يبني هذا الفصل الجديد على تاريخ قوي من المشاركة، ويمهد الطريق لمزيد من التعاون العميق في السنوات القادمة.




