مسودة قرار أمريكية لدعم خطة ترامب تثير انتقادات حول محاولات فرض السلام
شهدت الأوساط الدبلوماسية في الأمم المتحدة، مطلع عام 2020، جدلاً واسعاً عقب تقديم الولايات المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن يهدف إلى حشد الدعم لخطة السلام التي طرحتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والمعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن". وقد قوبلت هذه الخطوة بانتقادات حادة من خبراء ودول أعضاء، حيث اعتبرها كثيرون محاولة لـ"فرض السلام" بشروط أحادية الجانب بدلاً من السعي لـ"حفظه" عبر التوافق الدولي، مما يتعارض مع المبادئ الأساسية التي تأسست عليها المنظمة الدولية.

خلفية الخطة الأمريكية للسلام
في يناير 2020، كشفت إدارة ترامب عن خطتها التي وصفتها بأنها "رؤية واقعية" لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. تم تطوير الخطة على مدار سنوات بقيادة جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس آنذاك، وجاءت بمشاركة إسرائيلية وغياب كامل للطرف الفلسطيني الذي قاطع الإدارة الأمريكية بعد اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل. تضمنت الخطة نقاطاً محورية أثارت جدلاً كبيراً، من أبرزها:
- الاعتراف بالقدس عاصمة "غير مقسمة" لإسرائيل، مع إمكانية إقامة عاصمة فلسطينية في ضواحي القدس الشرقية.
- فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة ومنطقة غور الأردن الاستراتيجية.
- اقتراح إقامة دولة فلسطينية "منزوعة السلاح" على أراضٍ مجزأة، وربطها بممرات وجسور وأنفاق.
- وضع شروط صارمة على الفلسطينيين للاعتراف بدولتهم، مرتبطة بنزع سلاح الفصائل والاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية".
المساعي الدبلوماسية في مجلس الأمن
عقب إعلان الخطة، سعت الولايات المتحدة إلى منحها شرعية دولية عبر مجلس الأمن، الذي يعد أعلى هيئة دولية مسؤولة عن السلم والأمن الدوليين. وجاءت هذه الخطوة كرد فعل على تحرك فلسطيني، مدعوم من تونس وإندونيسيا، لتقديم مشروع قرار مضاد يدين الخطة الأمريكية ويعتبرها انتهاكاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة السابقة، لا سيما القرار 2334 الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي. مشروع القرار الأمريكي، في المقابل، كان يهدف إلى الحصول على تأييد لمبادئ "صفقة القرن" كأساس للمفاوضات المستقبلية.
ردود فعل وانتقادات دولية
أثارت المبادرة الأمريكية انتقادات واسعة النطاق. ووصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في خطاب ألقاه أمام مجلس الأمن في فبراير 2020، الخطة بأنها "هدية لإسرائيل" وتخلق "دولة تشبه الجبن السويسري"، مؤكداً رفض القيادة الفلسطينية الكامل لها. على الصعيد العربي، أصدرت جامعة الدول العربية بياناً بالإجماع يرفض الخطة، معتبرة أنها لا تلبي الحد الأدنى من حقوق وطموحات الشعب الفلسطيني. أما على المستوى الدولي، فقد أبدت دول أوروبية مؤثرة، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، تحفظات كبيرة، مشددة على أن أي حل يجب أن يستند إلى حل الدولتين على أساس حدود عام 1967 والتفاوض المباشر بين الطرفين. وأشار محللون وخبراء في العلاقات الدولية إلى أن النهج الأمريكي يمثل تحولاً جذرياً عن دور واشنطن كوسيط نزيه، وتحولها إلى طرف يتبنى بالكامل الرواية الإسرائيلية، مما يقوض أي فرصة لسلام عادل ودائم.
أهمية الحدث ومآلاته
في نهاية المطاف، لم يتم طرح أي من مشروعي القرارين، الأمريكي أو الفلسطيني، للتصويت في مجلس الأمن. فقد أدركت الولايات المتحدة أنها تفتقر إلى الدعم اللازم لتمرير مشروعها، الذي كان من المرجح أن يواجه معارضة قوية، وربما فيتو من دول مثل روسيا أو الصين. في المقابل، تعرض مشروع القرار الفلسطيني لضغوط دبلوماسية أمريكية مكثفة أدت إلى سحبه قبل التصويت لتجنب فيتو أمريكي كان شبه مؤكد. كشفت هذه المواجهة الدبلوماسية عن عزلة الموقف الأمريكي في ذلك الوقت، وأظهرت وجود إجماع دولي واسع على رفض الحلول الأحادية التي تتجاوز القانون الدولي. ورغم أن الخطة لم تكتسب أي شرعية دولية، إلا أنها تركت أثراً عبر تشجيع إسرائيل على المضي قدماً في خطط الضم، وهي الخطوة التي تم تعليقها لاحقاً في سياق اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية.



